فلْتَكنْ إبراهيمَ هذا الزمان

مرَّ رجلٌ من أصحاب إبراهيمَ ابنِ أدهمَ (من كبار أئمة الزهد) على إبراهيم وهو جالسٌ مع أصحابه يعِظُهُم، فنظر إليهم ولم يسلِّم عليهم!! فقال بعضُهم:
أرأيت يا شيخنا كيف نظر إلينا ولم يُلْقِ علينا السلام؟!
فقال إبراهيم:
لعله مهموم أو مكروب...فلا يُذْهَلُ عن أصحابه إلا من به كرْب..
فلحق به إبراهيمُ وقال له: 
ما لكَ لم تُلْقِ علينا السلامَ يا أبا فلان؟!
قال: إني في كربٍ شديد وهمٍّ كبير.. امرأتي تلد وليس عندي ما يُصلح أمرَها..(أي ما يكفي لحاجتها).. ثم مضى في سبيله.
فقال إبراهيمُ لأصحابه:
أرأيتم؟! والله لقد ظلمناه مرتين:
مرةً أنْ أسأنا به الظنَّ...
ومرةً أنْ تركناه حتى احتاج!!
ثم اقترض إبراهيمُ دينارين.... اشترى بدينار منها لحماً وعسلاً وزيْتاً ودقيقاً.. وأسرع
 بها إلى بيت صاحبه..
فلما طرق الباب قالت زوجة صاحبه وهي تتوجع من الألم:
من بالباب؟
قال: إبراهيم بن أدهم... خذي ما عند الباب...فرَّج اللهُ عنك...ثم انصرف.
فلما فتحتْ ووجدتِ الحاجات، وفوْقها الدينار الآخر، سمعها -من بعيد- تدعو متأثرةً وتقول:
*اللهم لا تنسَ هذا اليومَ لإبراهيمَ أبداً..*
فكم من المكروبين والمعوزين والمحتاجين -في أيامنا هذه- ينتظرون طعامَ إبراهيم ودينارَه؟
وكم من الأرامل والأيتام والمساكين ينتظرون -بشوقٍ- أن تطرق بابَهم يدٌ حانيةٌ مثلُ يَدِ إبراهيم، لتتلمّس عوَزَهم، وتسدّ رمَقَهم، وترحم ضعفهم، وتعطيهم كعطاء إبراهيم؟
وكم من فقيرٍ بائس، ومحرومٍ يائس، منعتهم عزَّةُ نفوسهم من سؤال الناس إلْحافاً، حتى حسبناهم -لجهلنا- أغنياءَ من التعفُّف، باتوا يحلَمون في صباحهم ومسائهم بمن يجبر خاطرهم، ويدخل السرور على أولادهم.. 
فلنكن *إبراهيمَ هذا الزمان* وندخل السرور على أخواتٍ لنا عفيفاتٍ معدماتٍ محزوناتٍ مكروباتٍ ومحتاجاتٍ، فإن دعوةً واحدةً من أمثال دعواتهنّ لأصدقُ دعوةٍ دعا بها إنسان، لأن سهام المكروب عند ربه لا تخطئ أبداً...
 فلنلاحقْهم بالسخاء ونكرمهم بالعطاء..ليُلاحقونا بالدعاء.. وما أحلاه وأصدقه وأغلاه وأنفعه وأحوجنا إليه من دعاء!!
والحمد لله وب العالمين

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(راس الارجيلة) ورق الالومنيوم (ورق االقصدير) - تحذير رسمي

العلاقة بين الفلسفة والطب عند المسلمين -- دكتور أبو الوفا الغنيمي التفتازاني

هل تعرف من هو : الشيخ محمد بن يوسف سيتي " رحمه الله "