قضايا ساخنة في صيف ساخن د. أحمد نوفل

قضايا ساخنة في صيف ساخن                         د. أحمد نوفل

الجمعة، 22 حزيران 2012 03:19  

مدخل
يشير خبراء الأرصاد الجوية في هذه السنة إلى أن هذا الصيف سيكون استثنائياً في شدة حره، وأن درجات الحرارة ستبلغ أرقاماً قياسية، بل ستتخطاها. ويبدو أن الذي سيكون استثنائياً ليس جو الصيف فقط، وإنما قضايانا في هذا الصيف ستكون أيضاً ملتهبة إلى حد الاشتعال والتفجر. وواضح أن قوى الاستكبار التي استعبدت المنطقة بشراً وجغرافياً وموارد لا تريد للشعوب أن تنعتق وأن تتحرر؛ لأن هذه القوى هي المتضرر الأول من التغيير في المنطقة، وهي المستفيد الأول من بقاء الأحوال على المنوال ذاته، وعلى ما تركها الاستعمار القديم المباشر. والشعوب ملت الظلم والتهميش والقهر وتدمير الثروة ونهب المقدرات وتبديد الزمن، وتفويت الفرص على التغيير، وهدر الطاقات، وإضاعة الوقت وهو أعظم رأس مال، وقامت تنفض عن نفسها غبار الموت والنوم والاستلاب.
وقوى الاستكبار المتمكنة من المنطقة، ربت كوادر وطواقم ربطت مصالحها بمصلحة الاستعمار، فقامت تخدمه عن قناعة وطواعية واندفاع. هؤلاء كانوا رأس الحربة في تشكيل قوة الثورة المضادة المحاربة للإصلاح، المنادية ببقاء الحال على المواصفات والقياسات ذاتها.
وفي هذه العجالة أو المقالة سأعرج على جملة قضايا ساخنة، على أن نعود إلى كل واحدة منها بتخصيص وتفصيل.
 
 انتخابات مصر.. دلالات الحدث
قلت في مقال سابق: إن للمجلس العسكري غدرات ومفاجآت، والأيام القادمة حبلى بالمفاجآت فانتظروا المفاجآت. وما مضى يومان حتى تحققت "الرؤيا". وإذ بالمجلس العسكري يحل مجلس الشعب؛ من أجل قانون عزل الفلول. من أجل الفلول اعتبر مجلس الشعب غير شرعي! و"الحل" هو الحل! هذا كان بين يدي انتخابات الإعادة ليحبط الناس، وتستقر الأمور لشفيق الذي كان يخطب في ثقة: سنعود شاء من شاء وأبى من أبى! وتقارير المخابرات الأمريكية كانت تجزم بفوز شفيق!
إنه بمجرد أن يكون الفارق بين مرسي وشفيق بضعة مئات ألوف من الأصوات هذا بحد ذاته كارثة. لقد اجتمعت على المشهد أخطاء الإخوان من ناحية، وتواطؤ العسكر، ودعم الخارج، وتخطيط الحزب المنحل، وتحريض رجال الدين الأقباط، والتنظيم الذي حشد الأقباط كلهم لصالح "إسرائيل"؛ أعني أحمد شفيق "الغاز"!
لكن من جانب آخر قلت: إن القرآن الذي قص علينا قصة يوسف الذي خرج من السجن إلى منصب رئيس وزراء، والقائم بأعمال الدولة، هي مصر ذاتها يخرج فيها مرسي من السجن لاستلام منصب رئيس الدولة. مع الفوارق بالطبع، هناك من يسعى لإنجاح يوسف وهنا من يسعى لإفشال مرسي! من هنا قلت عن مرسي: يوسف مرسي.
على أن هذا الاختزال يحتاج إلى عودة في مقال مستقل. ولجنة كارتر للانتخابات تعلن عن انتخابات مصر أنها لا تستطيع أن تقول عنها إنها نزيهة، هذا الكارتر نفسه ولجنته كانت تقول عن انتخابات عهد مبارك التي كانت التزوير بعينه والبلطجة والصناديق الجاهزة، كانت تقول عنها إنها انتخابات نزيهة! هذا هو العالم الغربي وهذه هي حضارتهم وهذه هي ديموقراطيتهم، وهذه شهادة الزور التي يشهدون.
وأحمد شفيق يعلن فوزه في انتخابات الرئاسة بعد أن أعلنت الجهات الرسمية النتائج الرسمية وفوز مرسي، وأحمد شفيق وحملته يعلنون فوزه في الانتخابات وبنسبة 51.5%. فلماذا تغيب الدولة والمجالس واللجنة المشرفة حتى يلعب شفيق بذيله ويتحدى؟
ومن مؤامرات المجلس العسكري العميل، وليس المجلس العسكري هو الجيش المصري، لا فالجيش المصري من الشعب، والمجلس العسكري من الغرب، كما أن قيادة مصر السابقة لم تكن من الشعب وإنما من الغرب، أقول من مؤامرات المجلس إياه إصدار اللائحة الدستورية المكملة، وهي تقلص صلاحيات رئيس الجمهورية على حساب تمدد المجلس العسكري تماماً كما هي وصية "إسرائيل"، وإليك بعض ما جاء في الصحافة العبرية ننقلها عن الأستاذ هويدي: "إن مصالح إسرائيل والغرب باتت متعلقة بمدى قدرة المجلس العسكري في مصر على الحفاظ على صلاحياته؛ لذلك فإن احتفاظ المجلس بمعظم الصلاحيات يمثل مصلحة قومية لنا، وإضعافهم يضر بنا".
وقال: "إن فوز مرسي يعني تغيير البيئة الاستراتيجية بشكل كارثي لإسرائيل، وعليها الاستعداد لمواجهة أسوأ السيناريوهات".
لقد بان الصبح لذي عينين -كما في المثل العربي- فشفيق هو مبارك، وهو بالتالي "إسرائيل" ومصالح الغرب، ومع هذا فإن الإعلام المصري لعب أقذر الأدوار في تلميع شفيق وتعبئة الناس له، وغسيل أدمغتهم ضد الإسلام والإخوان ومرسي.

ذيول محاكمة مبارك
لم يطب للمجلس العسكري محاكمة مبارك، وهم الذين شهدوا شهادة الزور لصالحه ولتبرئته، وهم الذين رددوا ما قالت الفرقة كلها إن الإخوان هم الذين قتلوا الناس، وإن حماس استولت على عربات الأمن وهي التي داست الناس، وكذا شهد عمر سليمان وكذا ردد أحمد شفيق، فهم جميعاً معسكر واحد، وفرقة واحدة، وولاء واحد. وقد تمهلوا في المحاكمة متوقعين إما موت مبارك قبل صدور الحكم، حتى تظل صورته غير مدانة، وإما اضطرابات تجعلهم يعيدون البلد إلى الوضع الأول الذي كانت عليه زمن مبارك.
واعتقد أنه لو نجح شفيق لكان أول مرسوم يصدره العفو عن مبارك.
واخترع المجلس العسكري حكاية الموت الدماغي لمبارك، وبدؤوا الحديث عن جنازة عسكرية تليق برئيس دولة، فهم حتى الآن يتعاملون معه على أنه رئيس دولة. والإدانة غير مثبتة بعد، أعني الحكم على مبارك؛ لأن هناك استئنافاً للحكم وقد يتغير الحكم لصالح مبارك، ثم تبين أن كل هذه ألاعيب وأكاذيب، وأنه لا مات دماغياً، ولا دخل في غيبوبة، مع أننا نتمنى له مثل مصير شارون.
المهم أن المجلس العسكري نقل مبارك تحت هذه الدعاوى إلى مشفى سجن حلوان العسكري، بدل مشفى سجن طرة.
وهم يستبقون استلام مرسي للرئاسة بواقع سيجده أمامه وقد أُقر ولن يملك تغييره. كل هذا التواطؤ مع مبارك مع احتكار السلطة والسيادة والتشريع والإعلام، والوعد الذي قطعوه بتسليم السلطة في يونيو لن يتم ولن ينجز؛ لأن المجلس العسكري فاسد مثل مبارك ولن يتنازل عن السلطة ليحاكم، ولن يتنازل لتتوقف المكاسب، إنهم يديرون شركات بمئات مليارات الجنيهات المصرية، ويوظفون جيشاً من العمال والفنيين يشكل طبقة مرتبطة المصالح بهم، بالإضافة إلى أنهم في التعديل الدستوري أعطوا لأنفسهم حق التشريع والأمن (وهي كلمة تشمل كل شيء!) وأن يقسم الرئيس أمامهم، وهم من يحدد له الصلاحيات، والموازنة؛ بحيث لم يبق شيء إلا وهو في أيديهم. لعبة العسكر في تركيا تتجدد هذه الأيام في مصر، لتجعل صيف مصر لاهباً حارقاً!
 
حل مجلس النواب
صمتت اللجنة الدستورية أو المحكمة الدستورية دهراً على المجلس مجلس النواب، واستيقظت فَجراً ونطقت هجراً وفُجراً بحل مجلس النواب؛ باعتباره غير شرعي، ويبدو أنها موضة لأنه في الوقت ذاته حكمت المحكمة الدستورية في الكويت حكماً مشابهاً، أو تواصوا به؟ وهل بقاء البلد بلا مجلس نواب أكثر شرعية ودستورية من وجود المجلس المنتخب من الشعب؟
وسؤال للمحكمة الدستورية: وفق أي قانون حللتم مجلس الشعب؟ أليس وفق قوانين عهد مبارك؟ وهل إذا سقط مبارك سقط الشخص أم سقط النظام وفجوره وقوانينه التي فصلها عند ترزية القوانين لتحجيم المسلمين ولتفويز زعرانه وبلطجيته؟ لماذا لم تسقط القوانين التي خلفها المخلوع؟ والآن تقدمت بعض الأحزاب اليسارية في مصر المحروسة بطلب حل حزب العدالة والحرية؛ بدعوى أنه ناشئ عن جماعة محظورة وفق قوانين 54، وهي أيضاً مفصلة على مقاس تحجيم المسلمين.
وهل يا محكمة يا دستورية تسليم سلطات المجلس المنتخب من عشرات ملايين الشعب، إلى المجلس العسكري الكامب ديفيدي أولى وأكثر شرعية؟ فات الثورة أن تسقط أول ما تسقط هذه المحكمة الدستورية؛ لأنها ببقائها أبقت حبل المشنقة ملتفاً على رقبتها.
والقضايا الساخنة حديثها موصول عن سوريا والسودان وإيران وغيرها فإلى الملتقى!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(راس الارجيلة) ورق الالومنيوم (ورق االقصدير) - تحذير رسمي

العلاقة بين الفلسفة والطب عند المسلمين -- دكتور أبو الوفا الغنيمي التفتازاني

هل تعرف من هو : الشيخ محمد بن يوسف سيتي " رحمه الله "