في ذكر الغنى وحب المال والافتخار بجمعه
في ذكر الغنى وحب المال والافتخار
بجمعه قال الله تعالى ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ):-
وقيل الفقر رأس كل بلاء وداعية
الى مقت الناس وهو مع ذلك مسلبة للمروءة مذهبة للحياء فمتى نزل الفقر بالرجل لم يجد
بدا من ترك الحياء ومن فقد حياءه فقد مروءته ومن فقد مروءته مقت ومن مقت ازدري به ومن
صار كذلك كان كلامه عليه لا له وقال رسول الله ان تذر ورثتك اغنياء خير من ان تذرهم
عالة يتكففون الناس ) وفي الحديث ( لا خير فيمن لا يحب المال ليصل به رحمه ويؤدي به
امانته ويستغني به عن خلق ربه ) وقال على كرم الله تعالى وجهه الفقر الموت الأكبر وقد
استعاذ رسول الله من الكفر والفقر وعذاب القبر وقيل من حفظ دنياه حفظ الأكرمين دينه
وعرضه قال الشاعر
( لا تلمني إذا وقيت الأواقي
... بالأواقي لماء وجهي واقي )
وقال لقمان لابنه يابني اكلت الحنظل وذقت الصبر فلم ار شيئا أمر من الفقر فان افتقرت
فلا تحدث به الناس كيلا ينتقصوك ولكن اسأل الله تعالى من فضله فمن ذا الذي سأل الله
فلم يعطه أو دعاه فلم يجبه أو تضرع اليه فلم يكشف ما به
وكان العباس رضي الله تعالى عنه يقول
الناس لصاحب المال الزم من الشعاع للشمس وهو عندهم أعذب من الماء وارفع من السماء وأحلى
من الشهد وأزكى من الورد خطؤه صواب وسيئاته حسنات وقوله مقبول يرفع مجلسه ولا يمل حديثه
والمفلس عند الناس اكذب من لمعان السراب واثقل من الرصاص لا يسئل عليه ان قدم ولا يسلم
عنه ان غاب ان حضر اردوه وان غاب شتموه وان غضب صفعوه مصافحته تنقض الوضوء وقراءته
تقطع الصلاة
وقال بعضهم طلبت الراحة لنفسي
فلم أجد لها أروح من ترك ما لا يعنيها وتوحشت في البرية فلم أر وحشة أقر من قرين السوء
وشهدت الزحوف وغالبت الأقران فلم أر قرينا أغلب للرجل من المرأة السوء ونظرت الى كل
ما يذل القوي ويكسره فلم أر شيئا أذل له ولا أكبر من الفاقة:
( وكل مقل حين يغدو لحاجة ... الى كل ما يلفى من الناس مذنب
)
( وكانت بنو عمي يقولون مرحبا
... فلما رأوني معدما مات مرحب
) وقال آخر
( المال يرفع سقفا لا عماد له
... والفقر يهدم بيت العز والشرف
) وقال آخر
( جروح الليالي ما لهن طبيب
... وعيش الفتى بالفقر ليس يطيب
)
( وحسبك ان المرء فى حال فقره
... تحمقه الاقوام وهو لبيب )
( ومن يغترر بالحادثات وصرفها
... يبت وهو مغلوب الفؤاد سليب
)
( وما ضرني ان قال أخطأت جاهل
... إذا قال كل الناس أنت مصيب
) وقال آخر
( الفقر يزري بأقوام ذوي حسب
... وقد يسود بغير السيد المال
) وقال آخر
( لعمرك ان المال قد يجعل الفتى
... سنيلا وأن الفقر بالمرء قد
يزري )
( وما رفع النفس الدنية كالغنى ... ولا وضع النفس النفيسة كالفقر
) وقال آخر
( إذا قل مال المرء لانت قناته
... وهان على الأدنى فكيف الأباعد
)
وقال ابن الأحنف:
( يمشي الفقير وكل شيء ضده ... والناس تغلق دونه أبوابها
)
( وتراه مبغوضا وليس بمذنب ... ويرى العداوة لا يرى أسبابها
)
( حتى الكلاب اذا رأت ذا ثروة
... خضعت لديه وحركت أذنابها )
( وإذا رأت يوما فقيرا عابرا
... نبحت عليه وكشرت أنيابها )
وقال آخر
( فقر الفتى يذهب أنواره ... مثل اصفرار الشمس عند المغيب
)
( والله ما الانسان فى قومه
... إذا بلي بالفقر الا غريب )
وقال آخر
( إن الدراهم في الموطن كلها
... تكسو الرجال مهابة وجمالا
)
( فهي اللسان لمن أراد فصاحة
... وهي السلاح لمن أراد قتالا
) وقال آخر
( ما الناس الا مع الدنيا وصاحبها
... فكلما انقلبت يوما به انقلبوا
)
( يعظمون أخا الدنيا فان وثبت
... يوما عليه يما لا يشتهي وثبوا
) وقال بعض الفرس من زعم انه لا يحب المال فهو عندي كذاب . وقال الكناني
( أصبحت الدنيا لنا عبرة ... فالحمد لله على ذلكا )
( قد أجمع الناس على ذمها ... وما أرى منهم لها تاركا ) وقال
الزمخشري
( وإذا رأيت صعوبة في مطلب ... فاحمل صعوبته على الدينار
)
( وابعثه فيما تشتهيه فإنه ... حجر يلين قوة الأحجار )
قال الثوري رحمه الله تعالى
لأن أخلف عشرة آلاف درهم يحاسبني الله عليها أحب إلي من أن أحتاج إلى لئيم وفي هذا
المعنى قال الشاعر:
( احفظ عرى مالك تحظى به ... ولا تفرط فيه تبقى ذليل )
( وإن يقولوا باخل بالعطا ... فالبخل خير من سؤال البخيل
)
( واحفظ على نفسك من زلة ... يرى عزيز القوم فيها ذليل
)
وأما ما جاء في الاحتراز على
الأموال
فقد قالوا ينبغي لصاحب المال
أن يحترز ويحتفظ عليه من المطمعين و المبرطحين والمحترفين والموهمين والمتنسمين
فأما المطمعون فهم الذين يتلقون
أصحاب الاموال بالبشر والاكرام والتحية والاعظام إلى أن يأنسوا بهم ويعرفوهم بالمشاهدة
وربما قضوا ما قدروا عليه من حوائجهم الى أن يألفوهم ويحصل بينهم سبب الصداقة ثم ان
أحدهم يذكر لصاحب المال في معرض المقال أنه كسب فائدة كثيرة في معيشته ثم يمشي معه
في الحديث الى ان يقول اني فكرت فيما عليك من المؤن والنفقات وهذا أمر يعود ضرره في
المستقبل ان لم تساعد بالمكاسب وغرضي التقرب اليك ونصحك وخدمتك وأريد أن أوجه إليك
فائدة من المتجر بشرط ان لا أضع يدي لك على مال بل يكون مالك تحت يدك أو تحت يد أحد
من جهتك
ويخرج له في صفة الناصحين المشفقين
فإذا أجابه الى ذلك كان أمره معه على قسمين أن ائتمنه وجعل المال بيده أعطاه اليسير
منه على صفة أنه من الربح وطاول به الأوقات ودفع اليه في المدة الطويلة الشيء اليسير
من ماله ثم يحتج عليه ببعض الآفات ويدعي الخسارة فإن لزمه صاحب المال قابحه وبرطل من
جملة المال صاحب جاه فيدفعه ويقول هذا راباني فإن روعي صاحب المال وفق
بينهما على ان يكتب عليه ببقية المال وثيقة فلا يستوفي ما فيها الا في الاخرة وان هو
لم يأتمنه وعول ان يكون القبض بيده والمتاع مخزونا لديه واطأ عليه البائعين والمشترين
وحصل لنفسه وعمل ما يقول به فان حصل لصاحب المال أدنى ربح أوهمه ان مفاتيح الأرزاق
بيده وان كسد المشترى او رخص احال الامر على الاقدار وقال ليس لي علم بالغيب ومن أشد
المطمعين المتعرضون لصنعة الكيمياء وهم الطماعون المطمعون في عمل الذهب والفضة من غير
معدنها فيجب أن يحذر التقرب منهم والاستماع لهم في شيء من حديثهم فإن كذبهم ظاهر وذلك
أنهم يوهمون الغير أنهم ينيلونهم خيرا ويطلعونهم على صنعتهم ابتداء منهم لا لحاجة وهذا
يستحيل ويحتجون بأن ما يلجئهم إلى ذلك إلا عدم الامكان وتعذر المكان فمنهم من يكون
شوقه إلى أن يدخل إلى مكان ويترك عنده عدة لها قيمة فيأخذها وينسحب ومنهم من يشترط
أن عمله لا ينتهي إلى مدة فيقنع في تلك المدة بالأكل غدرة وعشية وسبيله بعد ذلك إن
كان معروفا قال فسد علي العمل من جهة كيت وكيت ويقول للذي ينفق عليه هل لك في المعاودة
فان حمله الطمع ووافقه كان هذا له أتم غرض ثم يحتال آخر المدة على الفراق بأي سبب كان
وإن كان منكورا غافل صاحب المكان وخرج هاربا ومن المطمعين قوم يجعلون في الجبال أمارات
من ردم وحجر ويأتون إلى أصحاب الأموال ويقولون إنا نعرف علم كنز فيه من الإمارات كيت
وكيت ثم يوقفونهم على ورقة متصنعة ويقولون نريد أن تأخذ لنا عدة تنفق علينا ومهما حصل
من فضل الله تعالى لنا ولك فيوافقهم على ذلك ويوطن نفسه على أن المدة تكون قريبة فيعملون
يوما أو يومين فيظهر لهم أكثر الامارات فيزداد طمعا ويعتقد الصحة ثم يدرجونه إلى أن
ينفق عليهم ما شاء الله تعالى ويكون آخر أمرهم كصاحب الكيمياء وإن كانوا منكورين ورغبتهم
الطمعة في قماشه أو في العدة التي معه فربما قتلوه هناك لأجل ذلك ومضوا فهذا أمر المطمعين
وأما المبرطحون فهم من الخونة والناس بهم أكثر غررا وذلك
أنهم إذا ندب صاحب المال أحد منهم لشراء حاجة سارع فيها واحتاط في جودتها وتوفير كيلها
أو وزنها أو درعها ووضع من أصل ثمنها شيئا وزنه من عنده حتى يبيض وجهه عند صاحب المال
ويعتقد نصحه وأمانته ونجح مساعيه وكذلك إن ندبه لشيء يبيعه استظهر واستجاد النقد ولا
يزال هكذا دأبه حتى يلقى مقاليد أموره إليه فيستعطفه ويفوز به ثم يغير الحال الأول
في الباطن فينبغي لصاحب المال أن لا يغفل عنه
وأما المحترفون الموهمون فهم
الذين يتعرضون لذوي الأموال فيظهرون لهم الغنى والكفاية ويباسطونهم مباسطة الأصدقاء
ويعتمدون جودة اللباس ويستعملون كثيرا من الطيب ثم إن أحدهم يذكر أنه يربح الأرباح
العظيمة فيما يعانيه ويذكر ذلك مع الغير ولا يزال كذلك حتى يثبت ويستقر في ذهن صاحب
المال أنه يكتسب في كل سنة الجمل الكثيرة من المال وأنه لا يبالي إذا أنفق أو أكل أو
شرب فتشره نفس صاحب المال لذلك فيقول له على سبيل المداعبة يا فلان تريد الدنيا كلها
لنفسك
لم لا تشركنا في متاجرك هذه
وأرباحك ؟ فيقول له أنت جبان يعز عليك إخراج الدينار وتظن أنك إن أظهرته خطف منك ولا
تدري أنه مثل البازي إن أرسلته أكل وأطعمك وإن أمسكته لم يصد شيئا واحتجت إلى أن تطعمه
وإلا مات وأنا والله لو كان عندي علم أنك تنبسط لهذا كنت فعلت معك خيرا كثيرا ولكن
ما كان إلا هكذا وما كان لا كلام فيه والعمل في المستأنف فيشكره صاحب المال ويسأله
أخذ المال فيمطله بتسليمه فيزداد فيه رغبة إلى أن يسلمه إليه فيكون حاله كحال المطمع
إذا صار المال تحت يده
وأما المتنسمون فهم أهل الرياء
المظهرون التعفف والنسك ومجانبة ومجانبة الحرام ومواظبة الصلاة والصيام
لكي يشتهر ذكرهم عند الخاص والعام ثم يلقون ذوي الأموال بالبشر والاكرام والتلطف في
المقال ويمشون إلى أبواب الملوك على صفة التهاني بالأعياد وربما يأتي معه بأحد من الأولاد
ويظهرون النزاهة والغنى ويجعلون الدين سلما إلى الدنيا وأكثر أغراضهم أن تودع عندهم
الأموال وتفوض إليهم الوصايا ويجلهم العوام وتقبل شهادتهم الحكام وتندبهم الملوك إلى
الوصايا والأموال وهؤلاء أشر من اللصوص والقطاع وذلك أن شهرة اللصوص والقطاع تدعو إلى
الاحتراز منهم وتشبه هؤلاء بأهل الخير يحمل الناس على الاغترار بهم
قال الشاعر:
( صلى وصام لأمر كان أمله ... حتى حواه فما صلى ولا صاما
) وقيل لا فقير أفقر من غنى يأمن الفقر قال الشاعر:
( ألم تر أن الفقر يرجى له الغنى
... وأن الغنى يخشى عليه من الفقر
) وأوصى بعض الحكماء ولده فقال له يا بني عليك بطلب العلم وجمع المال فإن الناس طائفتان
خاصة وعامة فالخاصة تكرمك للعلم والعامة تكرمك للمال وقال بعض الحكماء إذا افتقر الرجل
اتهمه من كان به موثقا وأساء به الظن من كان ظنه حسنا ومن نزل به الفقر والفاقة لم
يجد بدا من ترك الحياء ومن ذهب حياؤه ذهب بهاؤه وما من خلة هي للغنى مدح إلا وهي للفقير
عيب فإن كان شجاعا سمي أهوج وإن كان مؤثرا سمي مفسدا وإن كان حليما سمي ضعيفا وإن كان
وقورا سمي بليدا وإن كان لسنا سمي مهذارا وإن كان صموتا سمي عييا قال ابن كثير:
( الناس أتباع من دامت له نعم
... والويل للمرء إن زلت به القدم
)
( المال زين ومن قلت دراهمه
... حي كمن مات إلا أنه صنم )
( لما رأيت إخلائي وخالصتي ... والكل مستتر عني ومحتشم )
( أبدوا جفاء وإعراضا فقلت لهم
... أذنبت ذنبا فقالوا ذنبك العدم
)
وكان ابن مقلة وزيرا لبعض الخلفاء
فزور عنه يهودي كتابا إلى بلاد الكفار وضمنه أمورا من أسرار الدولة ثم تحيل اليهودي
إلى أن وصل الكتاب إلى الخليفة فوقف عليه وكان عند ابن مقلة حظية هويت هذا اليهودي
فأعطته درجا بخطه فلم يزل يجتهد حتى حاكى خطه ذلك الخط الذي كان في الدرج فلما قرأ
الخليفة الكتاب أمر بقطع يد ابن مقلة وكان ذلك يوم عرفة وقد لبس خلعة العيد ومضى إلى
داره وفي موكبه كل من في الدولة فلما قطعت يده وأصبح يوم العيد لم يأت أحد إليه ولا
توجع له ثم اتضحت القضية في أثناء النهار للخليفة أنها من جهة اليهودي والجارية فقتلهما
أشر قتلة ثم أرسل إلى ابن مقلة أموالا كثيرة وخلعا سنية وندم من فعله واعتذر إليه فكتب
ابن مقلة على باب داره يقول:
( تحالف الناس والزمان ... فحيث كان الزمان كانوا )
( عاداني الدهر نصف يوم ... فانكشف الناس لي وبانوا )
( يا أيها المعرضون عني ... عودوا فقد عاد لي الزمان )
ثم أقام بقية عمره يكتب بيده اليسرى
قال بعضهم:
( إنما قوة الظهور النقود ... وبها يكمل الفتى ويسود )
( كم كريم أزرى به الدهر يوما
... ولئيم تسعى إليه الوفود ) والأطباء
يعلمون أمراضا من علاجها اللعب بالدينار وشرب الأدوية والمساليق التي يغلى فيها الذهب
قال الشاعر:
( احرص على الدرهم والعين ... تسلم من العيلة والدين )
( فقوة العين بإنسانها ... وقوة الإنسان بالعين ) واعلم
أن القلب عمود البدن فإذا قوي القلب قوي سائر البدن وليس له قوة أشد من المال
وبالضد إذا ضعف الفقر له البدن
حكي أن ملكا رأى شيخا قد وثب
وثبة عظيمة على نهر فتخطاه والشاب يعجز عن ذلك فعجب منه فاستحضره فحادثه في ذلك فأراه
ألف دينار مربوطة على وسطه
وقال لقمان لابنه يا بني شيئان
إذ أنت حفظتهما لا تبالي بما صنعت بعدهما دينك لمعادك ودرهمك لمعاشك
والكلام في هذا المعنى كثير
وقد اقتصرت منه على النزر اليسير
وقد كان في الناس من يتظاهر بالغنى ويراه مروءة وفخرا
فمن ذلك ما حكي عن أحمد بن طولون
أنه دخل يوما بعض بساتينه فرأى النرجس وقد تفتح زهرة فاستحسنة فدعا بغدائه فتغدى ثم
دعا بشرابه فشرب فلما انتشى قال علي بألف مثقال من المسك فنثره على أوراق النرجس ولنذكر
الآن نبذة من الذخائر والتحف
حكى الرشيد بن الزبير في كتابه
الملقب بالعجائب والطرف أن أبا الوليد ذكر في كتابه المعروف بأخبار مكة أن رسول الله
لما فتح مكة عام الفتح في سنة ثمان من الهجرة وجد في الجب الذي كان في الكعبة سبعين
ألف أوقية من الذهب مما كان يهدى للبيت قيمتها ألف ألف وتسعمائة ألف وتسعون ألف دينار
وباع زهرة التميمي يوم القادسية
منطقة كان قد قتل صاحبها بثمانين ألف دينار ولبس سلبه وقيمته خمسمائة ألف وخمسون ألفا
وأصاب رجل يوم القادسية راية
كسرى فعوض عنها ثلاثين ألف دينار وكانت قيمتها ألف ألف دينار ومائتي ألف ووجد المستورد
بن ربيعة يوم القادسية أبريق ذهب مرصعا بالجوهر فلم يدر أحد ما قيمته فقال رجل ن الفرس
أنا آخذه بعشرة آلاف دينار ولم يعرف قيمته فذهب إلى سعد بن أبي وقاص فأعطاه إياه وقال
لا تبعه إلا بعشرة آلاف دينار فباعه سعد بمائة ألف دينار ولما أتت الترك إلى عبد الله
بن زياد ببخارى في سنة أربع وخمسين كان مع ملكهم امرأته خانون فلما هزمهم الله تعالى
أعجلوها عن لبس خفها فلبست إحدى فردتيه ونسيت الأخرى فأصابها المسلمون فقومت بمائتي
ألف دينار ولما فتح قتيبة بن مسلم بخارى في سنة تسع وثمانين وجد فيها قدر ذهب ينزل
إليها بسلالم ودفع مصعب ابن الزبير حين
أحس بالقتل الى زياد مولاه فصا من ياقوت احمر وقال له انج
به وكان قد قوم ذلك الفص بألف ألف درهم فأخذه زياد ورضه بين حجرين وقال والله لا ينتفع
به أحد بعد مصعب
وذكر مصعب بن الزبير ان بعض
عمال خراسان في ولايته ظهر على كنز فوجد فيه حلة كانت لبعض الأكاسرة مصوغه من الذهب
مرصعة بالدر والجواهر والياقوت الأحمر والأصفر والزبر جد فحملها الى مصعب بن الزبير
فخرج من قومها فبلغت قيمتها ألفي ألف دينار فقال إلى من ادفعها ؟ فقيل إلى نسائك وأهلك
فقال لا بل إلى رجل قدم عندنا
يدا وأولانا جميلا ادع لي عبد الله بن أبي دريد فدفعها إليه
ولما صار موجود عماد الدولة
في قبضة أمير الجيوش وجد في جملته دملج ذهب فيه جوهرة حمراء كالبيضة وزنها سبعة عشر
مثقالا فأنفذها أمير الجيوش الى المستنصر فقومت بتسعين ألف دينار ووجد في بستان العباس
بن الحسن الوزير مما أعد له من آلة الشرب يوم قتل سبعمائة صينية من ذهب وفضة ووجد له
مائة الف مثقال عنبر
وترك هشام بن عبد الملك بعد
موته اثنى عشر الف قميص وشي وعشرة آلاف تكة حرير وحملت كسوته لما حج على سبعمائة جمل
وترك بعد وفاته احد عشر الف ألف دينا ولم تأت دولة بني العباس الا وجميع أولاده فقراء
لا مال لواحد منهم وبين الدولة العباسية ووفاة هشام سبع سنين ولما قتل الأفضل بن أمير
الجيوش في شهر رمضان سنة خمس عشرة وخمسمائة خلف بعده مائة ألف ألف دينار ومن الدراهم
مائة وخمسين اردبا وخمسة وسبعين ألف ثوب ديباج ودواة من الذهب قوم ما عليها من الجواهر
واليواقيت بمائتي ألف دينار وعشرة بيوت في كل بيت منها مسمار ذهب قيمته مائة دينار
على كل مسمار عمامة لونا وخلف كعبة عنبر يجعل عليه ثيابه اذا نزعها وخلف عشرة صناديق
مملوءة من الجوهر الفائق الذي لا يوجد مثله وخلف خمسمائة صندوق كبار لكسوة حشمه وخلف
من الزبادي الصيني والبلور المحكم وسق مائة جمل وخلف عشرة آلاف ملعقة فضة وثلاثة آلاف
ملعقة ذهب
آلاف زباية فضة كبار وصغار وأربع قدور ذهبا كل قدر وزنها
مائة رطل وسبعمائة جام ذهبا بفصوص زمرد وألف خريطة مملوءة دراهم خارجا عن الارادب في
كل خريطة عشرة الاف درهم وخلف من الخدم والرقيق والخيل والبغال والجمال وحلى النساء
ما لا يحصى عدده الا الله تعالى وخلف ألف حسكة ذهبا وألفي حسكة فضة وثلاثة آلاف نرجسة
ذهبا وخمسة آلاف نرجسة فضة وألف صورة ذهبا وألف صورة فضة منقوشة عمل المغرب وثلاثمائة
تور ذهبا وأربعة آلاف تور فضة وخلف من البسط الرومية والأندلسية ما ملأ به خزائن الايوان
وداخل قصر الزمرد وخلف من البقر والجاموس والأغنام ما يباع لبنه في كل سنة بثلاثين
الف دينار وخلف من الحواصل المملوءة من الحبوب ما لا يحصى ولما احتوى الناصر على ذخائر
قصر العاضد وجد فيه طبلا كان بالقرب من موضع العاضد محتفظا به فلما رأوه سخروا منه
فضرب عليه انسان فضرط فضحكوا منه ثم أمسكه آخر وضربه فضرط فضحكوا عليه فكسروه استهزاء
وسخرية ولم يدروا خاصيته وكانت الفائدة فيه أنه وضع للقولنج فلما أخبروا بخاصيته ندموا
على كسره
وقد جمعت الملوك من الأموال
والذخائر والتحف كنوزا لا تحصى وبعد ذلك ماتوا ونفذت ذخائرهم وفنيت أموالهم فسبحان
من يدوم ملكه وبقاؤه
قال بعضهم:
( هب الدنيا تقاد اليك عفوا
... اليس مصير ذلك للزوال ) فضمنت
أنا هذا البيت وقلت
( أيا من عاش في الدنيا طويلا
... وأفنى العمر في قيل وقال )
( وأتعب نفسه فيما سيفني ... وجمع من حرام أو حلال )
( هب الدنيا تقاد اليك عفوا
... اليس مصير ذلك للزوال ) وصلى
الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
-------------------------------------
تعليقات
إرسال تعليق