تحديات قبل النجاح وبعده د. احمد نوفل

                                
1- مدخل
ما جرى في اليومين السابقين كان عظيماً بكل المقاييس، رئيس منتخب من الشعب يتكلم بقوة، لا يبالي بقوى دولية؛ لأنه يستشعر عظمة أن يكون متزوداً بإرادة شعبه وقوة شعبه، بعد ربه. وقد تكلم في ميدان التحرير فكان موفقاً، وإن كان قد غلبته العاطفة، وخطب في جامعة القاهرة فكان موفقاً تماماً، وخطب في ذات اليوم في ضيافة المجلس العسكري فكانت كلمته الأكثر توفيقاً.لكن أحببت أن أعطيكم فكرة عن حجم التحديات حتى لا ننسى في غمرة الفرحة شدة المقاساة وهول المعاناة وخطورة العدو. وما أريد أن أفسد الفرحة ولكن أريد أن نحرس الفرحة بالوعي واليقظة والانتباه، بمعرفة التحديات والاستعداد لمواجهتها. فاقتضى التنويه.. وفي ختام هذا المدخل نقول: سبحان من نقل مبارك من الرياسة إلى السجن، ونقل مرسي من السجن إلى الرياسة!
2-
حرب الإشاعات
أدركت خطورة الإشاعة منذ وقت مبكر، منذ مطلع الشباب، فقد كتبت منذ أربعين سنة كتاباً في «الإشاعة» طبع طبعات كثيرة، ونبهت على أنها أخطر وسائل الحرب النفسية، ولا مجال هنا للتفصيل.لكن لأريك حجم المؤامرة، وفي أي وسط كان مرسي وإخوانه يعملون، سأضع بين يديك عينة من الإشاعات اقتطفتها من وسائل الإعلام المصرية التي أتابع أسبوعياً عدداً لا بأس به منها، وهذه العينة.
-
المخابرات (أي الأمريكية) والحكومة الأمريكية تمارسان ضغوطاً على مصر لإعلان نتيجة الانتخابات لصالح مرسي أياً تكن النتيجة الحقيقية، مع قيام الحكومة الأمريكية بالتهديد بالتدخل عسكرياً لإنجاح المخطط الأمريكي الإخواني في المنطقة.
-
تحذير: عقب إعلان النتيجة لصالح شفيق سوف تتم التعبئة من قبل الإخوان بدعوة الشعب للنزول إلى الشوارع والميادين والاحتكاك بالجيش والشرطة. ووسط هذه الأحداث سوف ينتحل البعض من مليشيات الإخوان صفة جنود وضباط الجيش والشرطة بارتدائهم الملابس العسكرية ويقومون بقتل المواطنين المدنيين وقتل الجنود الحقيقيين لإحداث فتنة. ثم ينتهي ذلك بالتدخل الخارجي الأجنبي عسكرياً لحماية المواطنين. وستقوم مليشيات الإخوان بإحداث فتنة في الجيش بادعاء حدوث انشقاق داخل الجيش لإضعافه وفقد التأييد والمساندة والثقة الشعبية. (من خلال دراستي للإشاعات، فهذه الإشاعة أظن مصدرها الأجهزة إياها والمجلس العسكري لإظهار أن المتآمر على البلد والجيش هم الإخوان، وأن الجيش مستهدف لتكون ردة الفعل تعاطفاً مع الجيش وبالتالي مع المجلس العسكري).
-
مقاتلو القاعدة وحماس وجيش الإسلام والجماعات الإسلامية الليبية المقاتلة وتنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية المصرية ومليشيات الإخوان ينتشرون بأسلحتهم في جميع أنحاء مصر. رجاء النشر بأقصى سرعة. اللهم احفظ مصر أرضاً وشعباً آمين. (هكذا بالنص).
-
عناصر المليشيات القادمون لمصر سوف يستخدمون الأسلحة التي سرقت من مصر حتى لا يقعوا في الخطأ السابق عندما قتلوا المصريين بطلقات لا تستخدم في مصر. (أيضاً من خلال تحليلي للإشاعات في السابق فتأمل التقنية في هذه الإشاعة، التركيز على قتل المصريين، وأنهم -أي القتلة- سيستخدمون أسلحة من مصر قد سرقت لتجنب خطأ وقع في عمليات القتل السابقة، فهم يريدون بهذه الإشاعة أن يقفزوا على الواقع والتاريخ، ويعتبروا وقعة الجمل وما سبقها وتلاها من قتل إنما كان من هذه الجماعات الإسلامية وأن خطأهم الذي انكشف لن يكرروه.. الخ. أشهد أن الذي أطلق الإشاعة مختص خبير عمل في هذا الميدان سنين. وصلاح نصر له مدرسة في المخابرات المصرية، إن لم تكن هذه والموساد هي من فبرك وصنع وأذاع هذه الإشاعات!)ثم نبه الكاتب للمقال على أن هذه المعلومات أو هذه الإشاعات قد وزعت على التلفون المحمول أو الخلوي في شكل رسائل.
-
ومن الإشاعات: احذروا مغادرة البيوت يومي السبت والأحد. (الأيام المنتظر فيها إعلان النتائج، هل توقعت إذاً من وراء إطلاق هذه الإشاعات؟ إنه المجلس العسكري وشفيق «ويّاهم» والفلول والحزب الوطني المحلول) ومن الإشاعات: اشتروا احتياجات المنزل لفترة طويلة؛ لأنه سيفرض حظر تجول قد تطول مدته. (واضح أن كل ذلك ليقطعوا الطريق على اعتصامات التحرير!) هذا سوى إشاعات التحالف بين الإخوان والمجلس العسكري وفي الاتجاه المعاكس: مصر مهددة من حالة الغليان ووشوك الصدام بين الإخوان والمجلس العسكري.
-
حملات على الشقق المفروشة لضبط متسللين أجانب!
-
أنصار أبو إسماعيل يعتصمون بالتحرير، ويؤكدون: ما لم يرحل العسكر.. سنستعد للشهادة.. وقد ذكر الأستاذ هويدي في مقالاته في «السبيل» سوى ما ذكرت عدداً آخر لا بأس به من الإشاعات لتسميم أجواء الانتخابات والنتائج وتعكير مزاج الشارع المصري. وكدارس للإشاعة مدرك خطرها أعلم أن من أطلق هذه الإشاعات، كما أسلفت، متمرس محترف، ليس مجرد هاو يعبث. وأنه ليس فرداً، وإنما مؤسسة، وأن الأهداف واضحة ومحددة: تشويه صورة المسلمين، ونشر التشكيك في المجتمع، وإشاعة روح الخوف والشك والكراهية. تمزيق المجتمع. والمستفيد الأول: الفلول، ومعهم ومن قبلهم وبعدهم «إسرائيل» ثم أمريكا وكل أعداء الأمة. مستغلين البراءة في الشعب وقلة الخبرة، وسرعة تحول الناس، وقلة الصبر، وسرعة الملال والتحول، لنشر روح السلبية ليمْلوا ما يحلو لهم.
-
وقبل أن تغادر حكومة الجنزوري، ودعت عهدها يوم الخميس 28/6 بأن أعلن وزير الداخلية فيها أنه تم ضبط أكبر كمية سلاح مهرب في تاريخ مصر، من ليبيا إلى الداخل المصري. ومن بينها صواريخ حرارية لإسقاط الطائرات. ويبدو أن التلميح والرسائل هي لـ«إسرائيل»، وأن المقصود الإيحاء بأن هذه الأسلحة كانت مهربة لتصل إلى غزة، والصواريخ بالذات يمكن أن تقلب معادلة الصراع في المنطقة رأساً على عقب، فهي رسالة إلى «إسرائيل» المتحكمة في دول العالم وإلى الغرب، وإلى الداخل المصري بضرورة الاستمرار في حصار حماس في غزة. حتى إذا جاء مرسي والأيدي النظيفة وجدوا الأجواء مسممة في هذا القطاع بالذات، قطاع تصفية الأجواء مع قطاع غزة. وأعتقد أن الخبر برمته من ضمن حرب الإشاعات، وحتى لو كان صحيحاً أنكم أمسكتم بما قلتم فلم الإعلان والضجيج والتهويل والتهويش والمبالغة؟ أهي رسائل ترسلونها لمن يعنيهم الأمر؟!
3-
عقبات في وجه مرسي
النجاح لا يعني النهاية، نهاية المتاعب، وإنما النجاح بداية المصاعب. الفشل في الانتخابات لا يكلف شيئاً ولا يعني الكثير. ولكن الفشل بعد التكليف وحمل الأمانة يعني الكثير الكثير، ولو كان الأمر يقف عند حدود الشخص أو جماعته لهان الخطب، ولكنه قد يمتد إلى تشويه الفكرة ذاتها.وكما قلت لبنكيران رئيس الوزراء المكلف –وقتها- في المغرب: الفرح بالنجاح فجاجة، وإنما الآن بدأت التحديات، ولا خيار أمامكم ولا بديل عن النجاح إلا النجاح. وأخطر التحديات: التحدي الاقتصادي، وكم من رئيس عظيم المواهب أطاح به الاقتصاد. وذكرتهم ببوش الأب، ولا شك في عظيم موهبته فهو رجل مخابرات وسياسة وطيار ودبلوماسية واستراتيجي، وقف أمامه شاب غر في السياسة نسبياً ورفع شعار: إنه الاقتصاد يا غبي! ونجح الشاب كلنتون بلا تجربة، وفشل بوش المنتصر في حرب الخليج.كما فشل ونستون تشرشل في بريطانيا، وشارل ديغول في فرنسا، فالميدان الأول الذي يجب أن يضعه مرسي وجماعته نصب أعينهم العامل الاقتصادي؛ أي معايش الناس وأقواتهم ودواءهم وأسعار الطاقة ولقمة العيش على رأي إخواننا المصريين وفاتورة التعليم وجيوش المتبطلين بلا عمل ولا وظائف، والزراعة وأزماتها. والديون التي تُنيف على ستين بالمئة من مجموع الدخل القومي، هذه ليست سهلة، ولكن تخطيها ليس مستحيلاً.ومن العقبات الحاجة إلى إعادة اللحمة بين مكونات المجتمع، فقد عمل النظام السابق، نظام مبارك على جعل المجتمع المصري: مجتمع الكراهية، مجتمع تمزيق النظام الاجتماعي والنسيج الاجتماعي، كما يصنع كل الفراعين وكل الطواغيت وكل العملاء والفاسدين، كما أخبرنا القرآن: (إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً..).
وهناك من ينفخ في نار الأحقاد والعداوة، ويؤججها باستغلال بؤر التوتر والمظالم الاجتماعية والثارات من قتل وغصب وعنف. والصعيد يعج بمثل هذه الحالات، والمجتمع الآن غدا مستقطباً بين تيارين؛ تيار العلمنة والتغريب والتبعية والتذويب والولاء للغرب و«تل أبيب»، وتيار الأصالة والجذور والنهوض والقوة والبناء والإعمار، هذا يحتاج إلى خطة شاملة وإلى قيادة كبيرة، وإلى لأم الجراح، ودفن الخلافات، وفتح صفحات جديدة. وقد اشتغل النظام السابق على الوتر الطائفي والمذهبي: الأقباط والمسلمين حتى بلغت به أن يفجر الكنائس في آخر العهد المباركي بأمر مباشر من حبيب العادلي.ليكن هذا الهم الأول! وليكن الواجب الأول، المؤاخاة كانت الخطوة الأولى التي قام بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسجل القرآن ذلك: }إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً..{، }وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم{.ومن العقبات نمط من التدين النزق الضيق المتعصب الذي يسيء أكثر مما يحسن، ويؤذي أكثر مما يخدم، ولا تدري من وراءه! كالذين حركهم الظواهري في تونس. وكالذي تحرك في رفح واصطدم مع حماس وقتل أحد أكبر المطلوبين لـ«إسرائيل» أحد أكبر قادة الكتائب في حماس. أو كالذي قتل المتعاطف الإيطالي مع القضية الفلسطينية بدعوى التشدد الديني!والآن كالذي يجري في إفريقية من هدم للأضرحة، فهل هذا وقته؟! يظن هؤلاء أن هذه هي الأولوية الأولى؛ لأن عتبة التوحيد الاصطدام مع الأموات.ولا يعلم هؤلاء أن العقيدة متى استقرت تهاوت كل هذه الأوثان، ولكن إن بدأت بها عظمت في نفوس أصحابها وقام الصدام وحصل الانقسام.لقد آذت القاعدة في العراق أهل السنة بأكثر مما فعل بهم الشيعة! ومن الذي كان وراء إيجاد الصحوات في الأنبار؟ إنها ممارسات القاعدة حولت الذين كانوا يدعمون المقاومة إلى منسقين مع الأمريكان ضد المقاومة فيما سمي الصحوات في الأنبار، ثم انتهى الحال بهؤلاء بين قتيل ومطارد.إن التدين الضيق والفهم القاصر يؤذي الدين والعمل والحركة بأكثر مما يفعل الأعداء.وبعض ممارسات هذه النماذج في مصر أخشى أن تؤذي حركة مرسي وهي ناضجة واعية واعدة. أخشى أن ينبري هؤلاء له بالتكفير والتخوين وربما أبعد من ذلك: الثورة المسلحة! وللحديث بقية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(راس الارجيلة) ورق الالومنيوم (ورق االقصدير) - تحذير رسمي

العلاقة بين الفلسفة والطب عند المسلمين -- دكتور أبو الوفا الغنيمي التفتازاني

هل تعرف من هو : الشيخ محمد بن يوسف سيتي " رحمه الله "