خمسة عقود في رحاب هارفارد - ا.د موسى الناظر
خمسة عقود في رحاب هارفارد - ا.د موسى الناظر
حفزني مقال شالندرا راج ميهنا "سرّ نجاح جامعة هارفارد"، والمنشور في "الغد" بتاريخ 710/ 2012/، أن أقول ما كنت أرغب في قوله قبل خمس وأربعين سنة، حين زار الجامعة الأردنية رئيس جامعة هارفارد آنذاك ناثان بيوسي Pusey( Nathan،) وهو الموقّع على شهادة تخرجي. إذ التقى الهيئة التدريسية المؤسّسة، ذاكــراً أنه لا يستبعد أن يكون لهارفارد مثيل في هذا الموقع. فقد امتلكت الجامعة في بداياتها ما يمكنها أن تكون كذلك.
تحفظت أن أذكر عاقتي بهارفارد سوى ما ورد مخفيّاً في ثنايا سيرة ذاتية، خشية إغراء استخدامها رافعة لمنفعة خاصة، وإيثاراً بأن تكون خلفية لخدمة تعليمية فيها تحقيق للذات. والآن، لم يعد للتحفظ مسوغ عندما يغادر المرء محطته الأخيرة في مسار عمله الجامعي الرسمي. وليس لي في هذا المقام أن أُشغل قارئا بتاريخ شخص، إلاّ أنني أحس بما يلح بالتعبير عن عاقة هارفارد بالخريجين، وبالخصوص ما نقله مقال الأستاذ ميهنا. إذ لا يخلو صــنــدوق بــريــدي، الــورقــي والالكتروني، أسبوعياً، ومنذ نصف قرن تقريباً، من رسالة أو نشرة أو مقال أو مجلة موجهة باسمي من جامعة هارفارد. فبعد خمس سنوات من الحياة في حرمها، ما أزال وبعد خمسين سنة أعيش في رحابها ومع أحداثها وشخوصها وتطورها، ومــا يزال مسؤولوها يستقون أخبار تفاصيل حياة خريجيها، ويبنون شبكات اتصال فيما بينها وبينهم، ويصلون الخريجين بعضهم ببعض.
ومن أبرز ما يصلني من آن لآخر طلبات ثاثة، أحدها عندما يعلن رئيسها نيته الاستقالة، ولم أشهد مرة واحدة أنها كانت إقالة، يأتيني عندها طلب بأن أرشح اسماً أرى أن حامله يصلح لأن يكون رئيساً للجامعة، وأن أبدي الرأي فيما يجب أن تكون عليه مهام الرئيس الجديد ورسالته، ويُتبَعُ ذلك بقائمة أسماء مرشحين للرئاسة مع أبرز معالم سيرة كل منهم الذاتية للنظر فيها. وطلب آخر يأتيني للتصويت على مرشحين لعضوية مجلس المشرفين، الذي هو بمثابة مجلس أمناء واسع السلطات، مع عرض لسيرهم الذاتية. ومثل ذلك طلب يخص مجلساً يشرف على شؤون الخريجين.
أورد هذه الأمثلة في إدارة جامعة متميّزة ليقيني بإمكانية الاستفادة منها، فليس أقدر من الخريج على تلمس حاجة جامعته، وليس أحد أقدر من الخريج على بناء وتطوير المكان الذي نهل منه وتربى فيه، وليس من مكان أحب إلى خريج من حضن جامعته. فخريجنا يعاني من اليتم، وجامعاتنا تنعى فقيدها، فمتى تبنى أسرة جامعية يحمل فيها الأبناءُ الآباءَ.
تعليقات
إرسال تعليق